سورة النحل - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} وبالتاء: حمزة وعلي وأبو بكر {إلى مَا خَلَقَ الله} {ما} موصولة ب {خلق الله} وهو مبهم بيانه {مِن شَئ يَتَفَيَّؤُا ظلاله} أي يرجع من موضع إلى موضع. وبالتاء: بصري {عَنِ اليمين} أي الأيمان {والشمآئل} جمع شمال {سُجَّدًا لِلَّهِ} حال من الظلال. عن مجاهد: إذا زالت الشمس سجد كل شيء {وَهُمْ داخرون} صاغرون وهو حال من الضمير في {ظلاله} لأنه في معنى الجمع وهو ما خلق الله من كل شيء له ظل. وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب. والمعنى أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها أي ترجع الظلال من جانب إلى جانب، منقادة لله تعالى غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ والأجرام في أنفسها، داخرة أيضاً صاغرة منقادة لأفعال الله فيها غير ممتنعة {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض مِن دَآبَّةٍ} {من} بيان لما في السماوات وما في الأرض جميعاً على أن في السماوات خلقاً يدبون فيها كما تدب الأناسي في الأرض، أو بيان لما في الأرض وحده والمراد بما في السماوات ملائكتهن، وبقوله {والملئكة} ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم. قيل: المراد بسجود المكلفين طاعتهم وعبادتهم، وبسجود غيرهم انقيادهم لإرادة الله. ومعنى الانقياد يجمعهما فلم يختلفا فلذا جاز أن يعبر عنهما بلفظ واحد. وجيء ب {ما} إذ هو صالح للعقلاء وغيرهم ولو جيء ب {من} لتناول العقلاء خاصة {وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ يخافون رَبَّهُمْ} هو حال من الضمير في {لا يستكبرون} أي لا يستكبرون خائفين {مِّن فَوْقِهِمْ} إن علقته ب {يخافون} فمعناه يخافونه أن يرسل عليهم عذاباً من فوقهم، وإن علقته ب {ربهم} حالاً منه فمعناه يخافون ربهم غالباً لهم قاهراً كقوله {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} [الانعام: 61، 18] {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون على الأمر والنهي وأنهم بين الخوف والرجاء.


{وَقَالَ الله لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} فإن قلت: إنما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا عندي رجال ثلاثة، لأن المعدود عار عن الدلالة على العدد الخاص، فأما رجل ورجلان فمعدودان فيهما دلالة على العدد فلا حاجة إلى أن يقال (رجل واحد ورجلان اثنان). قلت: الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال على شيئين: على الجنسية والعدد المخصوص. فإذا أريدت الدلالة على أن المعنيّ به منهما هو العدد شفع بما يؤكده فدل به على القصد إليه والعناية به، ألا ترى أنك لو قلت (إنما هو إله) ولم تؤكده بواحد لم يحسن وخيل أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية {فإياي فارهبون} نقل الكلام عن الغيبة إلى التكلم وهو من طريقة الالتفات وهو أبلغ في الترغيب من قوله (فإياي فارهبوه). {فارهبوني} يعقوب {وَلَهُ مَا فِى السموات والأرض وَلَهُ الدين} أي الطاعة {وَاصِبًا} واجباً ثابتاً لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، وهو حال عمل فيه الظرف، أو وله الجزاء دائماً يعني الثواب والعقاب {أفغيرالله تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مّن نِّعْمَةٍ} وأي شيء اتصل بكم من نعمة عافية وغنى وخصب {فَمِنَ الله} فهو من الله {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} المرض والفقر والجدب {فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} الخطاب في و{ما بكم من نعمة} إن كان عاماً فالمراد بالفريق الكفرة، وإن كان الخطاب للمشركين فقوله {منكم} للبيان لا للتبعيض كأنه قال: فإذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر كقوله {فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم} من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة، ثم أوعدهم فقال: {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} هو عدول إلى الخطاب على التهديد {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِّمَّا رزقناهم} أي لآلهتهم، ومعنى {لا يعلمون} أنهم يسمونها آلهة ويعتقدون فيها أنها تضر وتنفع وتشفع عند الله وليس كذلك لأنها جماد لا تضر ولا تنفع، أو الضمير في {لا يعلمون} للآلهة أي لأشياء غير موصوفة بالعلم ولا تشعر أجعلوا لها نصيباً في أنعامهم وزروعهم أم لا، وكانوا يجعلون لهم ذلك تقرباً إليهم {تالله لَتُسْئَلُنَّ} وعيد {عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} من أنها آلهة وأنها أهل للتقرب إليها {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ البنات} كانت خزاعة وكنانة تقول الملائكة بنات الله {سبحانه} تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه أو تعجب من قولهم {وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ} يعني البنين.
ويجوز في (ما) الرفع على الابتداء و{لهم} الخبر، والنصب على العطف على {البنات}، و{سبحانه} اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه أي وجعلوا لأنفسهم ما يشتهون من الذكور {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّا} أي صار فظل وأمسى وأصبح وبات تستعمل بمعنى الصيرورة لأن أكثر الوضع يتفق بالليل فيظل نهاره مغتماً مسود الوجه من الكآبة والحياء من الناس {وَهُوَ كَظِيمٌ} مملوء حنقاً على المرأة {يتوارى مِنَ القوم مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} يستخفى منهم من أجل سوء المبشر به ومن أجل تعييرهم ويحدث نفسه وينظر {أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ} أيمسك ما بشر به على هون وذل {أَمْ يَدُسُّهُ فِى التراب} أم يئده {أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ} حيث يجعلون الولد الذي هذا محله عندهم لله ويجعلون لأنفسهم من هو على عكس هذا الوصف.


{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة مَثَلُ السوء} صفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث، ووأدهن خشية الإملاق {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} وهو الغني عن العالمين والنزاهة عن صفات المخلوقين {وَهُوَ العزيز} الغالب في تنفيذ ما أراد {الحكيم} في إمهال العباد {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} بكفرهم ومعاصيهم {مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} على الأرض {مِن دَآبَّةٍ} قط ولأهلكها كلها بشؤم ظلم الظالمين. عن أبي هريرة رضي الله عنه: إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما. {من دابة} من مشرك يدب {ولكن يُؤَخِرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى} أي أجل كل أحد أو وقت تقتضيه الحكمة أو القيامة {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} ما يكرهونه لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسلهم، ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} مع ذلك أي ويقولون الكذب {أَنَّ لَهُمُ الحسنى} عند الله وهي الجنة إن كان البعث حقاً كقوله {وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِى عِندَهُ للحسنى} [فصلت: 50] و{أن لهم الحسنى} بدل من {الكذب} {لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} {مفرِطون} نافع {مفرِّطون} أبو جعفر. فالمفتوح بمعنى مقدمون إلى النار معجلون إليها من أفرطت فلاناً وفرطته في طلب الماء إذا قدمته، أو منسيون متروكون من أفرطت فلاناً خلفي إذا خلفته ونسيته. والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي، والمشدد من التفريط في الطاعات أي التقصير فيها.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8